التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حينما دخلت عالم ويستروس لم أستطيع الخروج منه

في الحقيقة من الصعب الكتابة عن هذه الملحمة الروائية، و لا أبالغ حين اقول ان هذه السلسلة ستتبوأ مكاناً كبيراً ضمن الاعمال الروائية في التاريخ، لأن هذه المقدرة على خلق عالم متكامل لا يوجد أصلاً في عالمنا من بلدان وثقافات وعادات وتقاليد وعائلات وأفراد مع التركيز على العمق الإنساني المعقد في هذا العالم وصراع الخير والشر فيه، هذه المقدرة ليست موجودة في أي عمل روائي آخر ، بالإضافة إلى وجود الكثير من الخيال والأساطير هو الذي جذب جمهور القارئين وفيما يلي جمهور أضخم من المشاهدين للبرنامج التلفزيوني

مراجعتي ستجمع بين سلسلة الروايات والبرنامج التلفزيوني الذي تنتجه شبكة (HBO) لا استطيع الفصل بينهما، بالنسبة لي السحر في هذا العمل مرتبط أولاً بالمسلسل وليس الروايات لأني شاهدت الاجزاء الخمسة فيما اقتصرت قراءتي على الجزء الاول فقط من السلسلة، ويدفعني فضول قراءة باقي الروايات لتعبئة الفراغات في قصة بت أعرفها وما زلت مفتونة جداً في الطريقة التي رسمت فيها الشخصيات والأحداث و التي تمتلك تأثيراً نفسياً عنيفاً بشكل متصاعد على المشاهد، لا أريد أن أستبق الأمور في حديثي عن الأحداث وربما مراجعتي قد تكون المدخل في كتاباتي عن صراع العروش بجميع أجزاء الرواية والمسلسل

أحداث الرواية تسير في عدة محاور متوازية لا علاقة لأحدها بالأخرى، ولكنها ترتبط في النسيج العام للرواية، وربما في النهاية سترتبط هذه المحاور في محور رئيسي واحد، في الحقيقة يصعب على القارئ متابعة كافة الأحداث والشخصيات من قراءة أو مشاهدة واحدة، وهنا تكمن عبقرية جورج مارتن في هذه الملحمة، دائماً أفكر كيف ممكن وضع عقل مارتن في كفة والمليارات التي صرفت على العمل التلفزيوني الضخم بجميع طاقم العمل الذي قد يبلغ الآلاف في كفة أخرى، لكن من جهة أخرى قد يكون الإخراج التلفزيوني أبرع في إختصار التجربة الإبداعية في ساعة من المشاهدة بدل ساعتين من القراءة، لذاا حين أتحدث عن الجزء الأول من الرواية مقابل الجزء الأول من المسلسل فهناك التزام إلى حد ما من جانب المنتجين لأحداث وحوارات الرواية بغض النظر عن الحذف والزيادة في الحوارات والأحداث، وبالنسبة لي فهو درس ضخم جدا في طرق كتابة السيناريو وتحويل النص المكتوب إلى صورة، تعلمت الكثير منها بطريقة لم أكن أتخيل أنني سأتعلمها في مرحلة الدراسة، وربما هذا مكسبي الأكبر في صرف الكثير من وقتي بالإهتمام بعالم وستروس الخيالي.

فصول الجزء الأول من أغنية الجليد والنار كتبت من وجهة نظر ثماني شخصيات أساسية في الرواية (ايدارد – كاتلين – جون – بران – اريا – سانسا من ال ستارك – وتيريون لانستر – ودانيريس تاريجاريان ) كان المحور الرئيسي حول عائلة ستارك من وينترفل، التي تحكم شمال الممالك السبع، وانتقال اللورد ادارد "نيد" ستارك مع ابنتيه سانسا وآريا إلى العاصمة في الجنوب ليحكم كيد للملك - روبرت باراثيون - بعد وفاة يد الملك السابق جون آرن، ومع تقدم الأحداث يكتشف اللورد ستارك بمساعدة من أعضاء المجلس المصغر ( بايلش – فاريس – بايسيل) ان جون آرن قُتل بأمر من زوجة الملك لأنه كشف سر خيانتها لزوجها ، وهنا تصبح حياته وحياة ابنتيه في خطر، لكنه قرر مواجهة الملكة، وكانت النتيجة ان قُتل الملك روبرت وقٌتل كافة رجال ستارك القادمين من وينترفل وأًسرت ابنته سانسا لدى الملكة، فيما فرت آريا من قبضتها، اضطر اللورد ستارك الخضوع للملكة وابنها الملك الجديد، وخلافاً للوعود التي أُعطيت له، قُطع رأس ايدارد ستارك بتهمة الخيانة امام الجميع بما فيهم ابنتيه (الأسيرة والفارّة).

لحظة مشاهدتي لهذه الجزئية من المسلسل كنت لآخر لحظة اتوقع ان هناك منقذ لايدارد ستارك من سيف الجلاّد، كنت مقتنعة أن شيئاً خارقاً للعادة سيحدث ويتم انقاذ البطل، لأن البطل لا يموت في الحكايا ( كما تفكر الفتاة الحالمة سانسا ستارك) وهذه كانت الصدمة الاولى التي يوجهها جورج مارتن للقارئ وليست الأخيرة، عندما يقتل الشخصية الرئيسية و محرك الأحداث، ويتم رفع رأسه المقطوع على رؤوس الأشهاد، وبمقتله اندلعت حرب الملوك الخمسة التي سيكون محور الجزء الثاني من الكتاب والمسلسل

في الرواية تم سرد قتل ايدارد ستارك من وجهة نظر ابنته آريا عندما شاهدت والدها ذليلاً مهاناً وأختها تقف بجانب الملكة مبتسمة لوالدها الذي سيتم العفو عنه، توقعتُ أن أقرأ في الرواية سرداً أكثرعمقاً مما رأيته في المشهد المصوّر، لكن المشهد كان ناقلاً اميناً للكتاب، حتى متفوقاً عليه برأيي وما زالت تبهرني روعة اخراج المشهد في المسلسل عندما تم تصوير جميع ردود الفعل على قرار القتل لعدد كبير من الشخصيات في 80 ثانية فقط، هناك اتقان مرعب في الاداء من جميع الممثلين في المشهد وتمنيت للحظة أنني لو لم اشاهد المسلسل لأعرف تأثير قراءة هذا الفصل بالذات كقارئة، ربما مشاهدة المسلسل منعتني من المتعة الكاملة في القراءة .. ما علينا ..

في مراجعتي لم أتحدث إلا عن محور واحد من محاور الرواية وربما سأكتب عنها في المراجعات اللاحقة لأن القصة ضخمة ولها تفرعات كثيرة وربما لن استطيع الكتابة عنها، لكن سأتحدث عن شخصية براندن ستارك أحد أبناء نيد ستارك الذي تم اسقاطه من أحد أبراج وينترفيل من قبل جايمي لانستير(الأخ التوأم للملكة) ، يوجد فصل في الرواية عن سقوط بران اعتبره من أجمل فصول الرواية، عند قراءتي له حاولت أن أجرد نفسي من جميع معرفتي السابقة لتفاصيل القصة، في هذه الحالة لن افهم شيئا من فصل السقوط هذا، لكن الفصل كُتب بطريقة رمزية ساحرة تكشف الكثير عن خفايا الرواية وعن الاحداث المستقبلية والتي ستحدث بعد سنوات من زمن الرواية، في هذا الفصل واضح الدور المهم لذئاب ستارك في الرواية وبأن جميع ال ستارك من (الوارغ) وهؤلاء هم الذين لديهم المقدرة للدخول إلى عقل الحيوانات والتحكم بها أو الإطلاع على احداث الماضي أو الحاضر او المستقبل، ولكن هذه المقدرة تتجلى بأكبر صورها في براندن ستارك المقعد. وستاخذ الشخصية دورا رئيسيا مع تقدم الأحداث.

كل شخصية في الرواية لها عالمها الخاص، وتستحق الدراسة والمتابعة حتى الشخصيات الثانوية التي ربما حذفها لن يلفت الإنتباه ولكن وجودها أعطى نكهة مميزة وعمقاً انسانياً وأساساً محكماً في بناء الشخصيات الأخرى، لا أفكر الآن سوى بـ (اولد نان) التي تكوّن شيئا أساسياً وحميمياً جداً في ذكريات جميع أبناء ستارك الذين ابتعدوا جميعهم عن موطنهم وتفرق أحدهم عن الآخر ولم يلتم شملهم مرة اخرى، كما سيفقد عدد منهم حياته. كيف لو لم تكن أولد نان موجودة في الحكاية؟ وكأنها الرابط الرئيسي بالوطن الذي لم يعد، الرواية مليئة بهذه الشخصيات والكتابة عنها يجعل الحديث لن ينتهي.

بخصوص الترجمة العربية لهشام فهمي، خطوة مهمة للمترجم الشاب في تسجيل اسم له في عالم الترجمة حين أخذ على عاتقه ترجمة هذه الملحمة وكانت توقعاتي عالية، لكن الترجمة لم تكن بالمستوى المطلوب كما أن النص العربي يحتوي على الكثييييييير من الأخطاء اللغوية، اضطررت أن اضع النص العربي والنص الأصلي أمامي والقراءة من النص الأصلي حينما لا تعجبني الترجمة العريية، أتمنى من دار التنوير وهشام فهمي ان يقوما بجهد افضل لإخراج ترجمة احترافية أعلى جودة من الأولى





تعليقات